ما يوجب الغسل
والموجب له في حق الرجل ثلاثة أشياء: الأول: إنزال المني، وهو الماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه، ويفتر البدن بعده. وماء الرجل أبيض ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق، قال النبي : «إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر» رواه مسلم.
فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة، لأن أم سليم قالت يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله «نعم إذا رأت الماء» متفق عليه. فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب، لأن النبي وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض، ولا يخرج في المرض إلا رقيقًا. فإن احتلم فلم ير بللاً فلا غسل عليه، لحديث أم سليم. وإن رأى منيًا ولم يذكر احتلامًا فعليه الغسل، لما روت عائشة قالت: سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلامًا، فقال «يغتسل» وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل، فقال: «لا غسل عليه» رواه أبو داود. فإن وجد منيًا في ثوب ينام فيه هو وغيره؛ فلا غسل عليه، لأن الأصل عدم وجوبه، فلا يجب بالشك وإن لم يكن ينام فيه غيره، وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثنتي عشرة سنة فعليه الغسل، وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها، لأن عمر رأى في ثوبه منيًا بعد أن صلى فاغتسل، وأعاد الصلاة.
فصل والمذي: ماء رقيق يخرج بعد الشهوة
لا يحس بخروجه، فلا غسل فيه، ويجب منه الوضوء، لما روى سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذى شدة وعناء، فكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك للنبي وسألته عنه، فقال: «يجزئك من ذلك الوضوء» حديث صحيح، وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين؟ على روايتين. إحداهما: لا يوجب، لحديث سهل، والثانية يوجب لما روى علي قال: «كنت رجلاً مذاء»، فاستحييت أن أسأل رسول الله لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقالت: «يغسل ذكره وانثييه ويتوضأ» رواه أبو داود.
فصل والودي: ماء أبيض يخرج عقب البول، فليس فيه إلا الوضوء لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه.
والثاني (مما يوجب الغسل): التقاء الختانين، وهو تغيب الحشفة في الفرج، يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال، لقول النبي : «إذا جلس بين شُعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ وجب الغسل» رواه مسلم.
وختان الرجل: الجلدة التي تبقى بعد الختان. وختان المراة: جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان، فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال: التقيا وإن لم يتماسا.
والثالث (مما يوجب الغسل): إسلام الكافر( ).
خلاصة ما تقدم
من موجبات الغسل
أولاً: خروج المني يقظة أو منامًا بجماع أو غيره:
والخارج من الإنسان ثلاثة أشياء غير البول والغائط والريح.
1- مني: وهو سائل أبيض غليظ للرجل، والمرأة أصفر رقيق، لقوله : «ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق» رواه مسلم.
ورائحته كرائحة طلع النخل، والعجين، إذا يبس تكون رائحته بياض البيض.
يخرج عند اشتداد الشهوة، ويوجب غسلاً بخروجه.
2- مذي: ماء رقيق أبيض لزج، ويشترك الرجل والمرأة فيه، يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع، وهو ناقض للوضوء فقط، ولا يوجب غسلاً بخروجه.
3- ودي: يخرج بعد البول، وهو سائل غير لزج لكنه أبيض غليظ، يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدرة، ولا رائحة له، وحكمه حكم البول - أي نجس.
- يشترط في خروج المني يقظة أن يكون بشهوة، أما خروجه منامًا، فلا يشترط الإحساس باللذة، وعليه:
• إذا استيقظ ووجد أثر المني في ثيابه، وجب عليه الغسل بكل حال، سواء ذكر احتلامًا أو لم يذكر، لقوله لأم سليم وقد سألته: «هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء» متفق عليه.
• إذا خرج يقظة بدون لذة لا يوجب غسلاً، إنما يوجب وضوءًا، لأنه خارج من السبيلين.
• إذا ذكر احتلامًا لكن لم ير أثر المني على الثياب -أي لم ينزل- لا يجب عليه الغسل، لقوله «الماء من الماء» رواه مسلم.
• إذا استيقظ ووجد أن الماء الخارج منه (مذي) وليس منيًّا لا يجب عليه الغسل، إنما يغسل الذكر والأنثيين، لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يغسل ذكره ويتوضأ».
- وقولنا: [بجماع أو غيره] أي متى ما خرج المني بشهوة سواء كان بجماع أو مداعبة وغير ذلك فإنه يوجب غسلاً.
ثانيًا: من موجبات الغسل الجماع سواء أنزل أو لم ينزل:
لقوله : «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها، فقد وجب الغسل» متفق عليه، وزاد مسلم: «وإن لم ينزل»، وقوله : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»( ).
صفة الغسل من الجنابة
وهي على نوعين: كامل، ومجزئ، فالكامل يأتي فيه بتسعة أشياء: النية، وهي أن ينوي الغسل للجنابة، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، كقراءة القرآن، واللبث في المسجد، ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثًا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من أذى، ويغسل فرجه وما يليه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بهن أصول شعره، ويخلله بيده، ثم يفيض الماء على سائر بدنه، ثم يدلك بدنه بيده، وإن توضأ إلا غسل رجليه، ثم غسل قدميه آخرًا، فحسن. قال أحمد: الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده. وقالت ميمونة: وضع لرسول الله وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثًا، ثم تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يُردْها، وجعل ينفض الماء بيده. متفق عليهما.
النوع الثاني: الغسل المجزئ، وهو أن ينوي، ويعمّ شعره وبدنه بالغسل، والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا، ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفًا، لحديث عائشة، ولا يجب نقضه إن كان مضفورًا لما روت أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حيثات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» رواه مسلم، ولا يجب ترتيب الغسل؛ لأن الله تعالى قال: وإن كنتم جنبًا فاطهروا [المائدة: 6]، ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه، والبداءة بغسل الشق الأيمن؛ لأن النبي كان يحب التيامن في طهوره، ولا موالاة فيه؛ لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة( ).
فصل:
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل، للخبر الوارد، فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى: وإن كنتم جنبًا فاطهروا [المائدة: 6]، ولم يأمر بالوضوء معه، ولأنهما عبادتان من جنس: صغرى، وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية، كالحج والعمرة، وعنه: لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ؛ لأنهما نوعان يجبان بسببين، فلم يدخل أحدهما في الآخر كالحدود، وإن نوى إحداهما دون الأخرى، فليس له غيرها؛ لأن النبي قال: «وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه.
فصل:
ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، لما روى ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد» متفق عليه، ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع، ويغسل فرجه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الله ما اغفر لى زنوبى وتقبل عمل الخير الله ما امين